من الزائر؟
|
حسن إدريسي
|
خلوت وحيدا في جوف الليل فتذكرت الفائز بظل الله يوم لا ظل إلا ظله وفاضت عيني من الدمع، وبينما أنا أجفف دموعي طُرق علي الباب. ولما فتحته دخلت مستقيمة القامة بزيها الأبيض وأوقدت من حولي شمعتين. استغربت لفعلها وتظاهرتُ بالابتسامة قائلا: من الزائر؟! قالت : أنا الندم عما سلف بترك القبح أسعد، وبالعزم على عدم العودة أشهد، وبرد المظلمة أخلَّد. أنا النور من حولك و أسمى درجات الاعتذار،أنا منك إلى ربك ومن ربك عليك، أنا العشق تمزق قلبه أسفا على كثرة خطاياك،وعلى عنادك لم أنساك. جئت أخبرك أنه عند الشهقة سأتمرد . فهلا طاوعتني لنفر من الظلم إلى الصلاح خفية لا مراءاة للناس؟ أخجلني كلامها وأخذت نفسي تتهاوى انكسارا عندما شعرت أنها الحكمة تتكلم. ولما أدركتْ عجزي أشارتْ على الشمعتين لتشهرا في وجهي صحيفتين دُون فيهما شيء من القرآن. فأما الأولى ففيها:« وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» النساء 18 وأما الثانية ففيها:« إن اهَه يحب التوابين ويحب المتطهرين » البقرة 222 ثم كشفت بين يديها على وردة بيضاء كتبت عليها ثلاثة حروف عربية متقطعة "التاء" و"الواو" و"الباء". حملقتُ في وجهها مستغربا. ولما أدركتْ ما يروج في ذهني من الأسئلة تناولت الشمعتين وألقت علي التحية بكفها الأيمن من بعيد وأغلقت من ورائها الباب. فيما عدت أنا أربط بين الحروف المدونة على الوردة في علاقتها بما دون على الصحائف من آيات، لأدرك أن الجمع بين الحروف الثلاثة يكون نتيجه "توب" وعند ابن فارس في مادة "توب" :"التاء" و"الواو" و"الباء" كلمة واحدة تدل على الرجوع" وتاب من ذنبه أي رجع عنه، والتوب يعني التوبة طبقا لقوله تعالى في الأية الثالثة من سورة غافر: «وَقَابِلِ التَّوْبِ» وقال ابن منظور أيضا: " وتاب إلى الله يتوب توباً، وتوبة، ومتاباً: أناب، ورجع عن المعصية إلى الــــــطاعة ". هي التوبة في جمالها الملائكي تدعوني إلى الطريق الحق، بل وإلى معاشرة المخلوقات النورانية التي أبت إلا أن تغادر العالم الطيني الذي لم تستطع كائناته تحمل مشقة الصعود.
|
|
|
حسن إدريسي-المغرب (2012-08-10) |
Partager
|
تعليقات:
|
mohamed ait azizi
/maroc |
2014-05-01 |
والله ان في قصك لحلاوة وان عليه لطلاوة وفي طياته لعبرة لمن اتعظ .ما أجمل ازدواجية الابداع بالنصيحة ,كلمات رقراقة تختزن عبر براقة .ان دمعة انكسار بين يدي الجبار كافية بإذن الله لمسح جبال من الخطايا مسحا.أدام الله أفكارك ولا قطع صبيب قلمك.
|
البريد
الإلكتروني : aitazizi1993@gmail.com |
souad dahmane
/rachidya |
2013-02-23 |
كلمات في غاية الروعة وأسلوب راق و الأروع هو انسجام القارئ مع كل كلمة.كدنا نفقد الفن القصصي بهدا التميز.اتمني لك المزيد من العطاء والرقي
|
البريد
الإلكتروني : souadsolta,na@hotmail.com |
فاطمة البارودي
/تاوريرت |
2012-09-07 |
قصة في غاية الروعة وفي قمة الإبداع ،مكتوبة بأسلوب أدبي راق ، كما أن الموضوع مهم جدا وكثيرا ما نحتاج إلى قراءة مثل هذه المواضيع التي تتعلق بديننا الإسلامي الحنيف ، كموضوع التوبة الذي تطرقت إليه ،وكل بني أدم خطاء وخير الخطائين التوابين ،أتمنى لك المزيد من النجاح والتألق .
|
البريد
الإلكتروني : abdelhalim_6@hotmail.fr |
samira
/maroc |
2012-08-20 |
قرأت قصتك أستاذ حسن ودون أن أشعر مر شريط حياتي أمام عيناي في لحظة صفاء وطهر روحاني نقلتني إليه هذه الأسطر التي دونتها بجميل إحساسك وفيض إبداعك وتغلغلت من خلالها إلى الروح الخفية في كل منا لتستعيد ملامح الإيمان فيها وتنثر عباب المعاصي والآثام عنها. إبداع حقيقي ينساب من مخيلتك ليترجمه اليراع إلى جواهر ترصها بكل رصانة واحترافية. أتمنى لك مزيدا من الألق والتوهج
|
البريد
الإلكتروني : meryemsamira13@hotmail.fr |
إدريس علوي
/المغرب |
2012-08-13 |
ما يعاب على كثير من مبدعينا هي تلك النمطية التي تسيج مخيلاتهم،وتكبل أقلامهم. لكن ومن خلال تتبعي لكتابات الأستاذ حسن لاحظت أنه يعادي تلك النمطية إيمانا منه أن المبدع الحقيقي هو القادر على أن يركب كل موج.إنه اللساني الشاعر القاص اللامع..فها هي ذي آخر قصصه القصيرة تفصح عن جانب كان مجهولا إلى عهد قريب..لقد استطعت أن تخرج قصتك هذه في أجمل صورة دون أن تطلب في ذلك أي تزويق أو تنميق..هو الإبداع الصادق الذي يشد القارئ إليه فارضا عليه التوقف مليا عند كل كلمة
|
البريد
الإلكتروني : cherif_alaoui@hotmail.com |
|
أضف
تعليقك :
|
|
الخانات * إجبارية |
|